في تاريخ 19/8/2024، أصدر رئيس المحكمة العسكرية الدائمة في بيروت، العميد خليل جابر، قرارًا بمنع المحامي محمد صبلوح، وهو مدافع عن حقوق الإنسان ومسؤول الدعم القانوني في مركز سيدرز للدراسات القانونية، من الدخول إلى المحكمة العسكرية لمدّة ثلاثة أشهر. صدر القرار وفق ما جاء فيه على خلفية منشوراتٍ لصبلوح على وسائل التواصل الاجتماعيّ ومرافعاته أمام المحكمة، تضمّنت انتقادًا ليس فقط لأداء المحكمة بل أيضًا للأجهزة الأمنية. وقد اعتبرت المحكمة هذا الانتقاد تحقيرًا للهيئة الحاكمة ولهذه الأجهزة، فضلًا عن كونها ترشح عن أسلوب “مستفزّ” (التعبير للمحكمة). وأعابت المحكمة على صبلوح انتقاد قرارات المحكمة بدل استخدام وسائل الطعن المتاحة قانونيًا عليها. وكان قد تمّ تبليغ صبلوح بالقرار في 14/8/2024 شفهيًّا على قوس المحكمة خلال مثوله للدفاع عن أحد موكّليه وأُخرج على أثره من قاعة المحكمة بأسلوب مهين وبمرافقة عناصر عسكريّة. وقد استند القرار إلى الفقرة الثانية من المادة 59 من قانون القضاء العسكري التي تمنح رئيس المحكمة صلاحية “أن يمنع المحامي من دخول المحكمة العسكرية لمدة أقصاها ثلاثة أشهر إذا ارتكب خطأ مسلكيًا جسيمًا قبل المحاكمة أو في أثناء الجلسات“. وقد تقدّم المحامي صبلوح بطعن ضدّ القرار أمام محكمة التمييز العسكرية.
وفي تاريخ 29/7/2024، أصدرت القاضية المنفردة الجزائية في بيروت عبير صفا حكمًا بإدانة المحامي الشريف سليمان، وهو من محامّي لجنة الدفاع عن المتظاهرين، بجرائم القدح والذم والتحقير بحقّ مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية (المواد 383 و386 و388 من قانون العقوبات) مع وقف تنفيذ العقوبة في حقّه، وذلك على خلفية منشور لسليمان على وسائل التواصل الاجتماعي انتقد فيه أداء القاضي في حرمان عدد من المتظاهرين الموقوفين من حقوق الدفاع خلافاًا للمادة 47 من أصول المحاكمات الجزائية.
على أثر هذا القرار، يؤكّد “ائتلاف استقلال القضاء في لبنان” و”تحالف الدفاع عن حرية الرأي والتعبير في لبنان” على الآتي:
1-إنّ للمحامي حق في انتقاد أداء المحاكم والنيابات العامّة والأجهزة الأمنية ليس فقط من خلال اتّباع الوسائل القضائية البحتة، إنّما أيضًا أمام وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، علمًا أنّ القانون اللبناني يحصّن بشكل خاص الانتقادات التي يوجّهها المحامي في معرض مرافعاته صونًا لحق الدفاع. ويتوّجب حماية هذا الحقّ وتوسيع نطاقه بشكل خاص في الظروف الحالية نظرًا لتعطيل العديد من المؤسّسات القضائية ووسائل الطعن، كما وانعدام الشفافية في عمل المحاكم العسكرية التي لا تعلّل أحكامها، مما يضاعف أسباب الارتياب في صوابية قراراتها.
2- إنّ الفقرة الثانية من المادة 59 من قانون القضاء العسكري لعام 1968 تمسّ بمبادئ استقلالية المحاماة وحقوق الدفاع، وتتعارض مع قانون تنظيم مهنة المحاماة لعام 1970 الذي يحصر صلاحية تأديب المحامين بنقابتي المحامين تحت إشراف محاكم الاستئناف المدنية. كما تتعارض مع مبادئ الأمم المتّحدة الأساسية بشأن دور المحامين لعام 1990 التي تمنع المحاكم من “أن ترفض الاعتراف بحقّ أيّ محامٍ في المثول أمامها نيابة عن موكِّله، ما لم يكن هذا المحامي قد فقد أهليّته طبقًا للقوانين والممارسات الوظيفية”. وهذا الأمر يستوجب إلغاء هذه المادة وتعليق العمل بها إلى حين إلغائها. وهو الأمر الذي ينسجم مع اقتراح القانون كما عدّلته اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة الإدارة والعدل النيابية في نهاية العام 2023 ومع اقتراح القانون الذي قدمته النائبة بولا يعقوبيان في 10/01/2024 في هذا الخصوص.
3-إنّ الإجراءات المعتمدة لإصدار قرار المنع في حقّ المحامي محمد صبلوح وتبليغه وتنفيذه لم تراعِ حقوقه بالدفاع وشكّلت وسيلة للتضييق على عمله وترهيبه وإهانته خلافاً لمبادئ استقلالية المحاماة.
وعليه، يُطالب الائتلاف والتحالف بالآتي:
1-مجمل السلطات القضائية أن تبدي تقبّلًا أوسع للانتقاد الذي يوّجه إلى أدائها وأن تعتمد دائمًا اختبارات مبدأ التناسب والضرورة في تقييم مدى مشروعيتها، ضمانًا لحرية التعبير، علمًا أنّ انتقادات المحامين للمحكمة أو الأجهزة الرسمية أثناء مرافعاتهم تتمتع بحماية خاصة لاتصالها الوثيق بحقوق الدفاع.
2-محكمة التمييز العسكرية إبطال القرار الصادر عن رئيس المحكمة العسكرية في حق المحامي صبلوح ضمن أقصر المهل تمكينًا له من مواصلة عمله أمام المحكمة، داعين في الآن نفسه رئيس المحكمة العسكرية إلى الرجوع عن قراره وتعليق العمل بالفقرة الثانية من المادة 59 من قانون القضاء العسكرية لتعارضها مع قانون تنظيم مهنة المحاماة لعام 1970 ومبادئ الأمم المتحدّة الأساسية بشأن دور المحامين لعام 1990.
3-مجلس النوّاب بتسريع النظر في إلغاء الفقرة الثانية من المادة 59 من قانون القضاء العسكري ضمانًا لاستقلالية المحاماة وحقّ الدفاع المقدّس وحرّية المحامين بالتعبير، كما نطالبه بتسريع النظر في مجمل الإصلاحات الآيلة إلى حصر اختصاصات القضاء العسكري وتحويله من قضاء استثنائي إلى قضاء متخصص فضلًا عن تكريس مبادئ المحاكمة العادلة أمامها.
4- أخيرًا، نُطالب نقابتي المحامين في طرابلس وبيروت باتخاذ جميع الإجراءات الكفيلة لحماية حق المحامين في ممارسة مهنتهم أمام المحكمة العسكرية وبشكل خاص العمل على إلغاء الفقرة الثانية من المادة 59 من قانون القضاء العسكري.